عاشقة الجنة عضو جديد
الجنس : عدد المساهمات : 9 نقاط : 28984 السٌّمعَة : 3 تاريخ الميلاد : 16/04/1968 تاريخ التسجيل : 22/05/2016 العمر : 56 العمل/الترفيه : ربة منزل المزاج : الحمد لله
| موضوع: اضواء البيان .... سورة النصر الأحد مايو 22, 2016 4:59 am | |
| سورة النصر {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوابَا} {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. فيه ذكر النصر والفتح ، مع أن كلاً منهما مرتبط بالآخر : فمع كل نصر فتح ، ومع كل فتح نصر . فهل هما متلازمان أم لا ؟ كما جاء النصر مضافاً إلى الله تعالى ، والفتح مطلقاً . أولاً اتفقوا على نزول هذه السورة بعد فتح مكة . ومعلوم : أنه سبق فتح مكة عدة فتوحات . منها فتح خيبر ، ومنها صلح الحديبية ، سماه الله تعالى فتحاً في قوله : {فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً}. والنصر يكون في معارك القتال ويكون بالحجة والسلطان ، ويكون بكف العدو ، كما في الأحزاب . {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً}. وكما في اليهود قوله : {وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيراً}. فالنصر حق من اللَّه ، {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}. وقد علم المسلمون ذلك ، كما جاء في قوله تعالى : {مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ}، فهم يتطلعون إلى النصر . ويأتيهم الجواب {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}. وجاء قوله صلى الله عليه وسلم : «نصرت بالرعب مسيرة شهر » . وقد قال تعالى لموسى وأخيه {لاَ تَخَافَآ إِنَّنِى مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَى}،فهو نصر معية وتأييد ، فالنصر هنا عام . وكذلك الفتح في الدين بانتشار الإسلام ، وأعظم الفتح فتحان : فتح الحديبية ، وفتح مكة . إذ الأول تمهيد للثاني ، والثاني قضاء على دولة الشرك في الجزيرة ، ويدل لإرادة العموم في النصر والفتح . {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً}. فكأن الناس يأتون من كل جهة حتى من اليمن ، وهذا يدل على كمال الدعوة ونجاح الرسالة . ويدل لهذا مجيء آية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً}، وكان نزولها في حج تلك السنة . ويلاحظ أن النصر هنا جاء بلفظ نصر اللَّه ، وفي غير هذا جاء نصر اللَّه ، وما النصر إلا من عند اللَّه . ومعلوم أن هذه الإضافة هنا لها دلالة تمام وكمال ، كما في بيت اللَّه . مع أن المساجد كلها بيوت للَّه ، فهو مشعر بالنصر كل النصر ، أو بتمام النصر كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم . والفتح ، هنا قيل : هو فتح مكة ، وقيل فتح المدائن وغيرها . وتقدمت الإشارة إلى فتوحات عديدة ، قبل مكة . وهناك فتوحات موعود بها بعد فتح مكة نص صلى الله عليه وسلم عليها منها في غزوة الأحزاب وهم يحفرون الخندق ،لما اعترضتهم كدية وأعجزتهم ، ودعى إليها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : فأخذ ماء وتمضمض ودعا ما شاء الله أن يدعو ثم ضرب ، فكانت كالكثيب . وقد جاء فيها ابن كثير بعدة روايات وطرق مختلفة ، وكلها تذكر أنه صلى الله عليه وسلم ضرب ثلاث ضربات ، فأبرقت تحت كل ضربة برقة ، وكبَّر صلى الله عليه وسلم عند كل واحدة منها ، فسألوه فقال «في الأولى : أعطيت مفاتيح فارس » وذكر اليمن والشام ، وكلها روايات لا تخلو من نقاش ، ولكن لكثرتها يقوي بعضها بعضاً . وأقواها رواية النسائي بسنده قال : « لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق ، عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر ، فقام النَّبي صلى الله عليه وسلم وأخذ المعول ووضع رداءه ناحية الخندق ، وقال : وتمت كلمة ربك صدقًا وعدلاً ، لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم ، فندر ثلث الحجر وسلمان الفارسي قائم ينظر ، فبرق مع ضربة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم برقة ثم ضرب الثانية ، وقرأ ما قرأه أولاً ،وبرقت أيضاً . ثم الثالثة ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تكسرت ، فأخذ رداءه صلى الله عليه وسلم وجلس ، فسأله سلمان لما رأى من البرقات الثلاث : فقال له : أرأيت ذلك ؟ قال : أي والذي بعثك بالحق يا رسول اللَّه ، فأخبرهم أنه رفعت له في الأولى مدائن كسرى وما حولها ومدائن كثيرة حتى رآها بعينه ، فقالوا : ادعو الله لنا أن يفتح علينا . فدعا لهم ، وفي الثانية : رفعت له مدائن قيصر وما حولها ، وفي الثالثة مدائن الحبشة ، وكلها يطلبون منه صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم فتفتح عليهم ، فدعا لهم إلا في الحبشة ، فقال صلى الله عليه وسلم : « دعوا الحبشة ما ودعوكم ، واتركوا الترك ما تركوكم » انتهى ملخصاً . وقد رواه كل من ابن كثير والنسائي مطولاً ، فهذه الروايات وإن كانت تحتمل مقالاً . فقد جاء في الموطإ ما لا يحتمل مقالاً ، ولا شك في صحته ، ولا في دلالته ، وهو ما رواه مالك عن هشام عن عروة عن أبيه عن عبد اللَّه بن الزبير عن سفيان بن أبي زهير أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «يفتح اليمن فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، وتفتح الشام ، فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانو يعلمون ، ويفتح العراق فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون » . فهذا نص صحيح صريح منه صلى الله عليه وسلم في حياته بفتح اليمن والشام والعراق ، وما فتحت كلها إلا من بعده صلى الله عليه وسلم إلا اليمن . ويؤيد هذا القول ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال : «بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، إذ قال : الله أكبر ، الله أكبر ، جاء نصر الله والفتح ، جاء أهل اليمن ، قيل : يا رسول الله ، وما أهل اليمن ؟ قال : قوم رقيقة قلوبهم ، لينة طباعهم ، الإيمان يمان ، والفقه يمان ، والحكمة يمانية » رواه ابن كثير عنه . وقد كان فتح مكة عام ثمان من الهجرة ، وجاءت الوفود في دين الله أفواجاً عام تسع منها ، وجاء وفد اليمن وأرسل صلى الله عليه وسلم عماله إلى اليمن بعد فتح مكة ، وقدم عليه علي رضي الله عنه من اليمن في العام العاشر في موسم الحج ، ففتحت اليمن بعد فتح مكة في حياته صلى الله عليه وسلم . وعليه : تكون فتوحات قد وقعت بعد فتح مكة ، يمكن أن يشملها هنا قوله تعالى : {وَالْفَتْحُ}،وليس مقصورًا على فتح مكة كما قالوا . وقد يؤخذ بدلالة الإيماء : الوعد بفتوحات شاملة ، لمناطق شاسعة من قوله تعالى : {وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ}، لأن الإتيان من كل فج عميق ، يدل على الإتيان إلى الحج من بعيد ، والإتيان إلى الحج يدل على الإسلام ، وبالتالي يدل على مجيء المسلمين من بعيد ، وهو محل الاستدلال واللَّه تعالى أعلم . {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوابَا}. تقدم الكلام على التسبيح ومتعلقه وتصريفه . وهنا قرن التسبيح بحمد اللَّه ، وفيه ارتباط لطيف بأول السورة وموضوعها ، إذ هي في الدلالة على كمال مهمة الرسالة بمجيء نصر الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ولدينه . ومجيء الفتح العام على المسلمين لبلاد الله بالفعل أو بالوعد الصادق كما تقدم ، وهي نعمة تستوجب الشكر ويستحق موليها الحمد. فكان التسبيح مقترناً بالحمد في مقابل ذلك وقوله : {بِحَمْدِ رَبِّكَ}، ليشعر أنه سبحانه المولى للنعم ، كما جاء في سورة الضحى في قوله تعالى : {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. وقوله في سورة اقرأ : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}، وتكرارها {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الاٌّكْرَمُ}، لأن صفة الربوبية مشعرة بالإنعام . وقوله : {رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ}، قال بعضهم : إن الاستغفار عن ذنب فما هو . وتقدم الكلام على عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عند قوله تعالى : {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ}. ومما تجدر الإشارة إليه أن التوبة دعوة الرسل ، ولو بدأنا مع آدم عليه السلام مع قصته ففيها {فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ}، ومعلوم موجب تلك التوبة . ثم نوح عليه السلام يقول : {رَّبِّ اغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَىَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} . وإبراهيم عليه السلام يقول : {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}. وبناء عليه قال بعض العلماء : إن الاستغفار نفسه عبادة كالتسبيح ، فلا يلزم منه وجود ذنب . وقيل : هو تعليم لأمته . وقيل : رفع لدرجاته صلى الله عليه وسلم . وقد جاء في السنة ، أنه صلى الله عليه وسلم قال : « توبوا إلى الله ، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة » ، فتكون أيضاً من باب الاستكثار من الخير ، والإنابة إلى الله . تنبيه جاء في التفسير عند الجميع أنه صلى الله عليه وسلم منذ أن نزلت هذه السورة وهو لم يكن يدع قوله : « سبحانك اللهم وبحمدك » تقول عائشة رضي الله عنها : « يتأول القرآن » أي يفسره ، ويعمل به . ونقل أبو حيان عن الزمخشري أنه قال : والأمر بالاستغفار مع التسبيح تكميل للأمر بما هو قوام أمر الدين ، من الجمع بين الطاعة والاحتراز من المعصية ، وليكون أمره بذلك مع عصمته لطفًا لأمته ، ولأن الاستغفار من التواضع وهضم النفس فهو عبادة في نفسه . وفي هذا لفت نظر لأصحاب الأذكار والأوراد الذين يحرصون على دوام ذكر الله تعالى ، حيث هذا كان من أكثر ما يداوم عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، مع ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في أذكار الصباح والمساء دون الملازمة على ذكر اسم من أسماء الله تعالى وحده ،منفرداً مما لم يرد به نص صحيح ولا صريح . ولا شك أن الخير كل الخير في الاتباع لا في الابتداع ، وأي خير أعظم مما اختاره الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته ، ويأمره به ، ويلازم هو عليه . وقلنا في آخر حياته : لأنه صلى الله عليه وسلم توفي بعدها بمدة يسيرة . وفي هذه الآية دلالة الإيماء ، كما قالوا : ودلالة الالتزام كما جاء عن ابن عباس في قصة عمر رضي الله عنه مع كبار المهاجرين والأنصار، حينما كان يسمح له بالجلوس معهم ، ويرى في وجوههم ، وسألوه وقالوا : إن لنا أولاداً في سنه ، فقال : إنه من حيث علمتم . وفي يوم اجتمعوا عنده فدعاه عمر ، قال ابن عباس : فعلمت أنه ما دعاني إلا لأمر ، فسألهم عن قوله تعالى : {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، السورة . فقالوا : إنها بشرى بالفتح وبالنصر ، فقال : ما تقول أنت يا ابن عباس ؟ قال : فقلت ، لا واللَّه ، إنها نعت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرنا . فقال عمر : وأنا لا أعرف فيها إلا كما قلت ، أي أنه صلى الله عليه وسلم جاء لمهمة ، وقد تمت بمجيء النصر والفتح والدخول في الدين أفواجاً . وعليه يكون قد أدى الأمانة وبلَّغ الرسالة. فعليه أن يتأهب لملاقاة ربه ليلقى جزاء عمله ، وهو مأخذ في غاية الدقة ، وبيان لقول علي رضي الله عنه : أو فهم أعطاه الله من شاء في كتاب الله . * | |
|